في موتي حياة
كنت خلال سنواتي الفارطة أرعد من الموت ، وأجثو على ركبتي نحو الحياة ، غير أنني اليوم أسعى إلى الممات وأرهب الحياة ، فلعل في الممات حياة ، كما في الحياة ممات ، أسعى إلى الموت لعلي أجد فيه الحياة ، لعلي أموت ثم أفلق من جديد ، وكل شيء أهون على رب الفلق . لعلي أفلق كما تفلق البذرة فتغدو سنبلة ، لعلي أخرج من القوة إلى الفعل ، لعلي إن مت أعيش كنه الحياة ، أعيش الجوهر الغائر لما في الحياة . نعم فموتي حياة ، وسكوتي صراخ ، هدوئي عناد ، وسكوني صخب ، وفي ظلامي نور ، وفي ليلي فجر . فكيف أطلب الحياة ؟
من رضاب فم الموت أشرب زلال الحياة ، ومن شفتي الموت أعصر ماء الحياة ، ومن دم الموت أسفح الحياة ، ومن عروق الموت أشخب الحياة ، في أناشيد الموت الصامتة أنشودة الحياة ، وفي أنغامها أجد نغمة الحياة . في أعماق بحر الموت تغور الحياة . فابتلعني يا بحر الموت لعلي أغوص إلى سبر أغوار الحياة . لعلي أجد الموت ،عشيقتي التي بحثت عنها في الأرض والسماء ، قبل أن أغوص يا بحر ، وقبل أن أغور في عمقك أقول : لست أطلب حياة أبي العلاء ، ولا حياة قارون أو هارون ، طلابي للحياة طلاب "هيجل" لها ، أريد يا بحر أن أعيش حياة صراع واقتتال ، ليس من أجل الموت ، لكن من أجل الحياة ، أريد الحصول على الاعتراف . أريد أن أعبر قنطرة الموت إلى ضفة الحياة . هل حتم علي أن أموت لكي لأعيش ؟ لست أدري ؟ ولماذا لست أدري ؟ لست أدري ؟ كما قال أبو ماضي . الحياة والموت أختان رضيعتان بلبان الأبد ، هل هذا يعني أنني إذا كنت حيا أكون ميتا ، وإذا كنت مائتا أكون حيا أرزق في الآن نفسه ..؟ لا تبتلعني يا بحر إذن ، لا تبتلعني إلى حياة الموت ، كفاي ما عشت منها ، وخذني بين أخضان موجك إلى موت الحياة ، لعلي أعيش فيها عيش السعادة ، لعلي أفلق فيها كما تفلق زهور الحياة ، لعلي أفلق فيها بقدرة قادر ، إن أخذتني يا بحر فلك مودتي ، وإن لا ، فإنني أعوذ برب الفلق من شر ما خلق .